google.com, pub-9578994771857186, DIRECT, f08c47fec0942fa0 1:7. Al-Fatiha: Tafsir Ibn Kathir ( Arabic ) - PDF BOOKS

Header Ads

Header ADS

1:7. Al-Fatiha: Tafsir Ibn Kathir ( Arabic )

صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ (٧)

 قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِيمَا إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ إِلَى آخِرِهَا أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: "هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ". وَقَوْلُهُ: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ مُفَسِّرٌ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَهُوَ بَدَلٌ مِنْهُ عِنْدَ النُّحَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ بَيَانٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَ ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [[في جـ، ط، ب: "أنعم".]] هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، حَيْثُ قَالَ: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ [النِّسَاءِ: ٦٩، ٧٠] .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِكَ وَعِبَادَتِكَ، مِنْ مَلَائِكَتِكَ، وَأَنْبِيَائِكَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحِينَ؛ وَذَلِكَ نَظِيرُ مَا قَالَ رَبُّنَا تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ الْآيَةَ [النِّسَاءِ: ٦٩] .

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ قَالَ: هُمُ النَّبِيُّونَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ وَكِيع: هُمُ الْمُسْلِمُونَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هُمُ النَّبِيُّ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ. وَالتَّفْسِيرُ الْمُتَقَدِّمُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعَمُّ، وَأَشْمَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

* * *

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [قَرَأَ الْجُمْهُورُ: "غَيْرِ" بِالْجَرِّ عَلَى النَّعْتِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَذُو الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وَالْعَامِلُ: ﴿أَنْعَمْتَ﴾ وَالْمَعْنَى] [[زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.]] اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَصْفُهُمْ وَنَعْتُهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْهِدَايَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَرُسُلِهِ، وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ نَوَاهِيهِ وَزَوَاجِرِهِ، غَيْرِ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، [وَهُمُ] [[زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.]] الَّذِينَ فَسَدَتْ إِرَادَتُهُمْ، فَعَلِمُوا الْحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ، وَلَا صِرَاطِ الضَّالِّينَ وَهُمُ الَّذِينَ فَقَدُوا الْعِلْمَ فَهُمْ هَائِمُونَ فِي الضَّلَالَةِ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحَقِّ، وأكد الكلام بلا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ثَمّ مَسْلَكَيْنِ فَاسِدَيْنِ، وَهُمَا طَرِيقَتَا الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّ ﴿غَيْرَ﴾ هَاهُنَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مُنْقَطِعًا لِاسْتِثْنَائِهِمْ مِنَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسُوا مِنْهُمْ، وَمَا أَوْرَدْنَاهُ أَوْلَى، لِقَوْلِ الشَّاعِرِ [[هو النابغة الذبياني، والبيت في تفسير الطبري (١/١٧٩) .]] كأنَّك مِنْ جِمال بَنِي أقَيش ... يُقَعْقَعُ عِنْدَ [[في جـ: "بين".]] رِجْلَيْه بشَنِّ

أَيْ: كَأَنَّكَ جَمَلٌ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ، فَحَذَفَ الْمَوْصُوفَ وَاكْتَفَى بِالصِّفَةِ [[في ط: "واكتفى بالمضاف إليه".]] ، وَهَكَذَا، ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾

أَيْ: غَيْرِ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.

اكْتَفَى بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ عَنْ ذِكْرِ الْمُضَافِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ (لَا) فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ زَائِدَةٌ، وَأَنْ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ عِنْدَهُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ، وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الْعَجَّاجِ: فِي بئْر لَا حُورٍ سَرَى [[في جـ، ط: "سعى".]] وَمَا شَعَر [[البيت في تفسير الطبري (١/١٩٠) .]]

أَيْ فِي بِئْرِ حُورٍ. وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَلِهَذَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: " غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْر الضَّالّين". وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ [[فضائل القرآن (ص ١٦٢) .]] ، [وَكَذَا حُكِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ] [[زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.]] وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ، فَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا جِيءَ بِهَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ، [لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى ﴿الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ] [[زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.]] ، وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الطَّرِيقَتَيْنِ، لِتُجْتَنَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا؛ فَإِنَّ طَرِيقَةَ أَهْلِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَالْيَهُودُ فَقَدُوا الْعَمَلَ، وَالنَّصَارَى فَقَدُوا الْعِلْمَ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْغَضَبُ لِلْيَهُودِ، وَالضَّلَالُ لِلنَّصَارَى، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ وَتَرَكَ اسْتَحَقَّ الْغَضَبَ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَالنَّصَارَى لَمَّا كَانُوا قَاصِدِينَ شَيْئًا لَكِنَّهُمْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى طَرِيقِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ الْحَقِّ، ضَلُّوا، وَكُلٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ضَالٌّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ أَخَصَّ أَوْصَافِ الْيَهُودِ الْغَضَبُ [كَمَا قَالَ فِيهِمْ: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ ] [[زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.]] [الْمَائِدَةِ: ٦٠] وَأَخَصُّ أَوْصَافِ النَّصَارَى الضَّلَالُ [كَمَا قَالَ: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل﴾ ] [[زيادة من جـ، ط]] [الْمَائِدَةِ: ٧٧] ، وَبِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ. [وَذَلِكَ وَاضِحٌ بَيِّنٌ] [[زيادة من جـ، ط، أ، و.]] . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سِماك بْنَ حَرْبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عبَّاد بْنَ حُبَيش، يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صُفُّوا لَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَاءَ الْوَافِدُ وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ، وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فمُنّ عَلَيَّ مَنّ اللَّهُ عَلَيْكَ، قَالَ: "مَنْ وَافِدُكِ؟ " قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: "الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ! " قَالَتْ: فمنَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعَ، وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ [[في جـ، "فلما رجع ودخل إلى ختنه".]] ، تَرَى أَنَّهُ عَلِيٌّ، قَالَ: سَلِيهِ حُمْلانا، فَسَأَلَتْهُ، فَأَمَرَ لَهَا، قَالَ: فَأَتَتْنِي فَقَالَتْ: لَقَدْ فَعَلَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، فَأَتَيْتُهُ فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ أَوْ صَبِيٌّ، وَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْكِ كسرى ولا قيصر، فقال:

"يَا عَدِيُّ، مَا أَفَرَّكَ [[في أ: "ما أمرك".]] أَنْ يُقَالَ [[في جـ: "تقول".]] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: مَا أَفَرَّكَ [[في أ: "ما أمرك".]] أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَهَلْ شَيْءٌ أَكْبَرُ [[في جـ، "فهل من شيء هو أكبر".]] مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ؟ ". قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ، وَقَالَ: "الْمَغْضُوبُ [[في جـ، ط، ب: "إن المغضوب".]] عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى" [[المسند (٤/٣٧٨) .]] . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ [[سنن الترمذي برقم (٢٩٥٣، ٢٩٥٤) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (٢٢٧٩) "موارد" من طريق محمد بن بشار عن غندر به.]] ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُرِّيّ بْنِ قَطَريّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ قَالَ: "هُمُ الْيَهُودُ" ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: "النَّصَارَى هُمُ الضَّالُّونَ". وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ بِهِ [[رواه الحميدي في مسنده (٢/٤٠٦) عن سفيان به.]] . وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَدِيٍّ هَذَا مِنْ طُرُقٍ، وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ بُدَيْل العُقَيْلي، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيق، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِوَادِي القُرَى، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: " الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ -وَأَشَارَ إِلَى الْيَهُودِ-وَالضَّالُّونَ هُمُ النَّصَارَى" [[تفسير عبد الرزاق (١/٦١) .]] . وَقَدْ رَوَاهُ الجُرَيري وَعُرْوَةُ، وَخَالِدٌ الحَذَّاء، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، فَأَرْسَلُوهُ [[رواه الطبري في تفسيره (١/١٨٦، ١٨٧) .]] ، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ تَسْمِيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدُويه، مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمان، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلَتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ قَالَ: "الْيَهُودُ"، [قَالَ] [[زيادة من ط، ب، أ، و.]] قُلْتُ: الضَّالِّينَ، قَالَ: "النَّصَارَى" [[قال الحافظ ابن حجر في الفتح (٨/١٥٩) : "أخرجه ابن مردويه بإسناد حسن عن أبي ذر".]] . وَقَالَ السُّدِّي، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ هُمُ الْيَهُودُ، ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ هُمُ النَّصَارَى.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَابْنُ جُرَيْج، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ اليهود، ﴿ولا الضالين﴾

[هُمُ] [[زيادة من جـ.]] النَّصَارَى.

وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا.

وَشَاهِدُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ، الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي خِطَابِهِ مَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٩٠] ، وَقَالَ فِي الْمَائِدَةِ [[في جـ: "وقال تعالى".]] ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٦٠] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٧٨، ٧٩] .

وَفِي السِّيرَةِ [[في ط: "وفي السنن".]] [[انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/٢٢٤) .]] عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِوِ بْنِ نُفَيْلٍ؛ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الشَّامِ يَطْلُبُونَ الدِّينَ الْحَنِيفَ، قَالَتْ لَهُ الْيَهُودُ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ الدُّخُولَ مَعَنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ. فَقَالَ: أَنَا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ أَفِرُّ. وَقَالَتْ لَهُ النَّصَارَى: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ الدُّخُولَ مَعَنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ سَخَط اللَّهِ فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُهُ. فَاسْتَمَرَّ عَلَى فِطْرَتِهِ، وَجَانَبَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَدِينَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَ أَحَدٍ مِنَ الْيَهُودِ وَلَا النَّصَارَى، وَأَمَّا أَصْحَابُهُ فَتَنَصَّرُوا وَدَخَلُوا فِي دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ أَقْرَبَ مِنْ دِينِ الْيَهُودِ إِذْ ذَاكَ، وَكَانَ مِنْهُمْ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، حَتَّى هَدَاهُ اللَّهُ بِنَبِيِّهِ لَمَّا بَعَثَهُ آمَنَ بِمَا وَجَدَ مِنَ الْوَحْيِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(مَسْأَلَةٌ) : وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ الْإِخْلَالُ بِتَحْرِيرِ مَا بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الضَّادَ مَخْرَجُهَا مِنْ أَوَّلِ حَافَّةِ اللِّسَانِ وَمَا يَلِيهَا مِنَ الْأَضْرَاسِ، وَمَخْرَجُ الظَّاءِ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأَطْرَافِ الثَّنَايَا الْعُلْيَا، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْحَرْفَيْنِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَجْهُورَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الرِّخْوَةِ وَمِنَ الْحُرُوفِ الْمُطْبَقَةِ، فَلِهَذَا كُلِّهِ اغْتُفِرَ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا مَكَانَ الْآخَرِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ: "أَنَا أَفْصَحُ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ" فَلَا أَصْلَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ

اشْتَمَلَتْ هَذِهِ السورة الكريمة وهي سبع آيات، عَلَى حَمْدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، بِذِكْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى الْمُسْتَلْزِمَةِ لِصِفَاتِهِ الْعُلْيَا [[في جـ، ط، ب، أ، و: "العلا".]] ، وَعَلَى ذِكْرِ الْمَعَادِ وَهُوَ يَوْمُ الدِّينِ، وَعَلَى إِرْشَادِهِ عَبِيدَهُ [[في جـ: "إرشاد عبده"، وفي ط، ب: "إرشاد عبيده".]] إِلَى سُؤَالِهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَالتَّبَرُّؤِ مِنْ حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، وَإِلَى إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَتَوْحِيدِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَتَنْزِيهِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ أَوْ نَظِيرٌ أَوْ مُمَاثِلٌ، وَإِلَى سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ الْهِدَايَةَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ الدِّينُ الْقَوِيمُ، وَتَثْبِيتَهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُفضي بِهِمْ ذَلِكَ إِلَى جَوَازِ الصِّرَاطِ الْحِسِّيِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُفْضِي بِهِمْ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ فِي جِوَارِ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحِينَ.

وَاشْتَمَلَتْ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، لِيَكُونُوا مَعَ أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مَسَالِكَ الْبَاطِلِ؛ لِئَلَّا يُحْشَرُوا مَعَ سَالِكِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ وَالضَّالُّونَ. وَمَا أَحْسَنَ مَا جَاءَ إِسْنَادُ الْإِنْعَامِ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ وَحَذْفُ الْفَاعِلِ فِي الْغَضَبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ الآية [المجادلة: ١٤] ،

وَكَذَلِكَ إِسْنَادُ الضَّلَالِ إِلَى مَنْ قَامَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَضَلَّهُمْ بقدَره، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الْكَهْفِ: ١٧] . وَقَالَ: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٨٦] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ، لَا كَمَا تَقُولُهُ الْفِرْقَةُ الْقَدَرِيَّةُ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ، مِنْ أَنَّ الْعِبَادَ هُمُ الَّذِينَ يَخْتَارُونَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَهُ [[في ب: "يفعلون ذلك ويختارونه".]] ، وَيَحْتَجُّونَ عَلَى بِدْعَتِهِمْ [[في جـ، ط، ب: "على بدعهم".]] بِمُتَشَابِهٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَتْرُكُونَ ما يكون فيه صريحا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا حَالُ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٥٤٧) ومسلم في صحيحه برقم (٢٦٦٥) من حديث عائشة رضي الله عنها.]] . يَعْنِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٧] ، فَلَيْسَ -بِحَمْدِ اللَّهِ-لِمُبْتَدِعٍ فِي الْقُرْآنِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ لِيَفْصِلَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ مُفَرِّقًا بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ وَلَا اخْتِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [[في جـ، ط، ب: "خبير".]] .

فَصْلٌ

يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا: آمِينَ [مِثْلَ: يس] [[زيادة من جـ، ط.]] ، وَيُقَالُ: أَمِينَ. بِالْقَصْرِ أَيْضًا [مِثْلَ: يَمِينٍ] [[زيادة من جـ، ط.]] ، وَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ [[في جـ، ط: "على استحباب التأمين".]] مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فَقَالَ: "آمِينَ"، مَدَّ [[في جـ: "يمد".]] بِهَا صَوْتَهُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ [[المسند (٤/٣١٦) وسنن أبي داود برقم (٩٣٢) وسنن الترمذي برقم (٢٤٨) .]] ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمْ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا تَلَا ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: "آمِينَ" حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَزَادَ: يَرْتَجُّ [[في جـ، ط، ب: "فيرتج".]] بِهَا الْمَسْجِدُ [[سنن أبي داود برقم (٩٣٤) وسنن ابن ماجة برقم (٨٥٣) .]] ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ.

وَعَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تسبقني بآمين. رواه أبو داود [[سنن أبي داود برقم (٩٣٧) .]] .

وَنَقَلَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ [[في أ: "التستري".]] عَنِ الْحَسَنِ وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُمَا شَدَّدَا الْمِيمَ مِنْ آمِينَ مِثْلَ: ﴿آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٢] .

قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ خَارِجُ الصَّلَاةِ، وَيَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي، وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، لِمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ: آمِينَ، وَالْمَلَائِكَةُ [[في جـ، "وقالت الملائكة".]] فِي السَّمَاءِ: آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" [[صحيح البخاري برقم (٧٨٠) وصحيح مسلم برقم (٤١٠) .]] . [قِيلَ: بِمَعْنَى مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ فِي الزَّمَانِ، وَقِيلَ: فِي الْإِجَابَةِ، وَقِيلَ: فِي صِفَةِ الْإِخْلَاصِ] [[زيادة من جـ، ط، أ، و.]] . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: "إِذَا [[في جـ، ط: "وإذا".]] قَالَ، يَعْنِي الْإِمَامَ: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ ، فَقُولُوا: آمِينَ. يُجِبْكُمُ اللَّهُ" [[صحيح مسلم برقم (٤٠٤) .]] . وَقَالَ جُوَيبر، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مَعْنَى آمِينَ؟ قَالَ: "رَبِّ افْعَلْ" [[ورواه الثعلبي في تفسيره كما في الدر المنثور (١/٤٥) من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله، وكلا الإسنادين ضعيفان.]] . وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَعْنَى آمِينَ: كَذَلِكَ فَلْيَكُنْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: مَعْنَاهُ: لَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: مَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنَا، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَجَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَهِلَالِ بْنِ كَيْسَانَ: أَنَّ آمِينَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ، قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ [[تفسير القرطبي (١/١٢٨) .]] . وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: لَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ وَيُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ، لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ سُمَيّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "وَإِذَا قَالَ، يَعْنِي الْإِمَامَ: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ ، فَقُولُوا: آمِينَ". الْحَدِيثَ [[الموطأ (١/٨٧) ورواه البخاري في صحيحه برقم (٧٩٦) ومسلم في صحيحه برقم (٤٠٩) من طريق مالك به.]] . وَاسْتَأْنَسُوا -أَيْضًا-بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى: "وَإِذَا قَرَأَ: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ ، فَقُولُوا: "آمِينَ".

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: "إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا" وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُؤَمِّنُ إِذَا قَرَأَ [[في جـ: "كانوا يؤمنوا خلفه إذا قرأ".]] ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾

وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ لِلْمَأْمُومِ في الجهرية، وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْإِمَامَ إِنْ نَسِيَ التَّأْمِينَ جَهَرَ الْمَأْمُومُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ أمَّن الْإِمَامُ جَهْرًا فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ الْمَأْمُومُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مِنَ الْأَذْكَارِ فَلَا يَجْهَرُ بِهِ كَسَائِرِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ. وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالرِّوَايَةُ الأخرى عن مالك، لما [[في جـ: "كما".]] تَقَدَّمَ: "حَتَّى يَرْتَجَّ الْمَسْجِدُ".

وَلَنَا قَوْلٌ آخَرُ ثَالِثٌ: إِنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا لَمْ يَجْهَرِ الْمَأْمُومُ [[في جـ: "الإمام".]] ، لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا جَهَرَ لِيُبَلِّغَ التَّأْمِينَ مَنْ فِي أَرْجَاءِ الْمَسْجِدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ الْيَهُودُ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ لَنْ يَحْسُدُونَا [[في جـ: "لم يحسدوننا"، وفي ط، ب، أ، و: "لم يحسدونا".]] عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا [[في أ: "يحسدوننا".]] عَلَى الْجُمُعَةِ التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ" [[المسند (٦/١٣٥) .]] ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَفْظُهُ: "مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ" [[سنن ابن ماجة برقم (٨٥٦) من طريق حماد بن سلمة، عن سهيل، عن أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا، وقال البوصيري في الزوائد (١/٢٩٧) : "هذا إسناد صحيح احتج مسلم بجميع رواته".]] ، وَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى قَوْلِ: آمِينَ، فَأَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ: "آمِينَ" [[سنن ابن ماجة برقم (٨٥٧) من طريق يزيد بن صبيح، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعا.]] وَفِي إِسْنَادِهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

وَرَوَى ابْنُ مَرْدُويه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "آمِينَ: خَاتَمُ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ" [[ورواه ابن عدي في الكامل (٦/٤٤٠) من طريق مؤمل عن أبي أمية بن يعلى عن المقبري عن أبي هريرة به، وقال ابن عدي: "لا يرويه عن أبي أمية بن يعلى -وإن كان ضعيفا- غير مؤمل هذا".]] . وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُعْطِيتُ آمِينَ فِي الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الدُّعَاءِ، لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُوسَى، كَانَ مُوسَى يَدْعُو، وَهَارُونُ يُؤَمِّنُ، فَاخْتِمُوا الدُّعَاءَ بِآمِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُهُ لَكُمْ" [[ورواه الحارث بن أبي أسامة برقم (١٦٧) "بغية الباحث" من طريق -مولى خالد- عن أنس بن مالك به، وزربي بن عبد الرحمن ضعيف.]] .

قُلْتُ: وَمِنْ هُنَا نَزَعَ بَعْضُهُمْ فِي الدَّلَالَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يُونُسَ: ٨٨، ٨٩] ، فَذَكَرَ الدُّعَاءَ عَنْ مُوسَى وَحْدَهُ، وَمِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ

هَارُونَ أمَّن، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ مَنْ دَعَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ [يُونُسَ: ٨٩] ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ أمَّن عَلَى دُعَاءٍ فَكَأَنَّمَا قَالَهُ؛ فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بِمَنْزِلَةِ قِرَاءَتِهَا؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ"، وَكَانَ بِلَالٌ يَقُولُ: لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ. فَدَلَّ هَذَا الْمَنْزَعُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فَقَالَ: آمِينَ، فَتُوَافِقُ [[في جـ، ط، ب، و، أ: "فوافق".]] آمِينَ أَهْلِ الْأَرْضِ آمِينَ أَهْلِ السَّمَاءِ، غَفَرَ اللَّهُ لِلْعَبْدِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَثَلُ مَنْ لَا يَقُولُ: آمِينَ، كَمَثَلِ رَجُلٍ غَزَا مَعَ قَوْمٍ، فَاقْتَرَعُوا، فَخَرَجَتْ سِهَامُهُمْ، وَلَمْ يَخْرُجْ سَهْمُهُ، فَقَالَ: لِمَ لَمْ يَخْرُجْ سَهْمِي؟ فَقِيلَ: إِنَّكَ لم تقل: آمين" [[ورواه أبو يعلى في مسنده (١١/٢٩٦) عن أبي خيثمة عن جرير به، وليث بن أبي سليم ضعيف.]] .

[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ] [[زيادة من جـ، ط.]]



 ( Previous Atyath ) ( Home Page ) ( Next Yath )


No comments

Powered by Blogger.